الـمجــد التليــد

تصدير




إلى الجحيم... إلى الجحيم ... إلى الجحيم ... كلكم إناثا و ذكور يا أمة أصبحت أَمَة كل العصور، أمة ارتأت خيرا يدوم فصارت تعيش شرا يطول،أمة نقضت عهدا ورسمت عهود، نقضت عهدا فداء ونضال و رسمت بأياديها القذرة عهودا سوف لن تزول.
سوف لن تزول من ذاكرتنا نحن تعساء التاريخ البشري أما إذا كنا نحن الذين اخترناها فإنها ستحمل لنا الأكاليل في كل لحظة.
يأتي العهد وراء العهد و مع كل عهد نحلم نحن الضعفاء بعودة إلى صدر التاريخ فينقضي العهد و نجد أنفسنا في قاع التاريخ من جديد نصارع الأوهام و الأحلام و نصطدم بالحقائق فنسأل أين الخلل؟
و بعد طول تفكير قد نعثر على إجابة لكن يداهمنا فجر عهد جديد فنركب تياره بكل الصفات عله يعيدنا إلى واجهة التاريخ من جديد.
و كالعادة وبعد مسيرة قد تطول أو تقصر نكتشف الحقيقة: إننا كنا نلازم صناع سياسة من الدرجة الأولى يظهرون أمامنا بزي البطل الشجاع و بعد ذلك نسمع أنهم باعوا الوطن بدراهم معدودة يقبضونها عند حلول الأجل.
تاريخنا هكذا شاء لنا فمن الإفك و معركة الجمل إلى اليوم أصبحت معالمنا واضحة للعيان كلما بان لنا قبس نور نهتدي به يعود بنا ساستنا إلى أعماق القمم.
يجتمع ساستنا و يحولون قممهم إلى مسرح تباح فيه كل الأشياء و يغادرون المكان دون حلول حتى التفاهم يضيع بين المحن.
شعبنا المناضل في كل مكان يرى الظلمة و يرفع رايات الجهاد و لكن أقراص مخدرة تهدى إليه في أثواب مختلفة تدفعه إلى البحث عن حرص على الحياة مهما كان الثمن فيقول في خاتمة المطاف: خذوا كل شيء المهم أن لا تعتدوا علي،خذوا النفط ،خذوا الخيرات، خذوا المرأة و الولد، المهم أن تتركوني و شأني.
إنها مهزلة أن ننكس الرؤوس و نحول الشجاعة إلى ذل و احتقار. إنها مهزلة أن نرى صمود الأمس نحوله بأيدينا إلى هزيمة نكراء. إنها مهزلة أن نرى أصوات المدافع و القنابل في أراضينا تتحول إلى عدم أو تخمد حين وصول الساعة الصفر بمفعول قرار أقل ما يقال فيه أنه مخجل و قبيح قبح القائمين على شؤوننا في مختلف أصقاع الوطن.
يحاربنا العدو تحت راية واحدة و نحن نسعى بمختلف الجهود ليس إلى محاربته أو قمعه و إنما إلى التنصل من كل ما يمكن أن يضعنا تحت خارج هذه الراية و لو استلزم ذلك التضحية بكل ما نملك.
يحاربنا العدو الغاصب تحت راية مقاومة الإرهاب بعد إن ارتبط لديه الإرهاب بالإسلام و نحن عوضا أن نبحث عن وحدة الصف لدرء الخطر نسعى بكل جهودنا إلى الصلاة في محراب العدو حتى ينتزعنا من خارطة الدول و الشعوب الراعية للإرهاب و هكذا نصبح بمنأى عن كل الفتن أمورنا هادئة و أحوالنا على أحسن ما يرام ما دمنا في حل من كل إرهاب بعد أن أهدانا العدو شهادة براءة منه و حشرنا ضمن الزمرة التي تدعو إلى نشر روح الإخاء و التسامح.
أين التسامح و أين الإخاء و نحن نعيش في زمن ينكل فيه بنا و يستعرض شارون على أجسادنا كل فنيات ممارسة تعذيب الجسد. إنه لن يمس منا الروح مهما فعل فالروح هي التي كانت تردد مع بلال و هو يئن تحت الصخر" أحد أحد" لا زالت ترفرف في السماء عالية في كل شبر من الأرض ترفض الخضوع إلى الزمن الأمريكي هذا الزمن الذي غادر مكانه و امتد كأخطبوط ساعيا نحو الهيمنة على كل الأمم كأنه نسي قانون الحتمية التاريخي الذي يحمل في باطنه الانهيار بعد كل بناء و تطور.
هذا الزمن الذي لا زال يلاقي كل أنواع المحن لن يفلح مهما فعل في الاستمرار في هدوء لأن كل من أراد أن يجعل الجميع تحت جناحيه لن يفلح مهما أوتى من قوة لأن هذه الجموع لن تذعن إلا إلى شريعة نزلت من السماء أما مغول هذا العصر فهو يريد أن يركعها بالحديد و النار و آخر ما اخترعته الأنامل من أسلحة دمار.
نوفر له الأسباب فيأتي مهرولا، نحن الأغبياء: كويتي يستحق الإعدام و مصري جزاؤه الرمي بالرصاص و أردني مصيره الفناء و سوري مآله السجن المؤبد و مغربي دواؤه القتل و تونسي مآله الرجم و سعودي مآله الردم تحت أنفاق الجبال ..
نعمة أهدانا الإله فأصبحت نقمة تعود علينا بالوبال في كل لحظة و حين. نتخاصم في كل محفل نلتقي فيه رغم أننا نريد في أعماقنا الوئام و التآخي و لكن بمجرد الافتراق و بفعل الشيطان يغتاب بعضنا البعض و يدس بعضنا للبعض و نهرول مسرعين لكي نفرغ ما احتوته كروشنا أمام طاولة العدو.
نخطئ و نصيب و تلك هي سنة الحياة و لكن هل نعتبر عند الخطأ؟ لا أظن لأننا مع كل خطأ نكرر المهانة و تتكرر معنا الهيمنة و السيطرة و نسلم للعدو جزء جديدا من كياننا حتى أصبح يحكم قبضته على مختلف أجزاء كياننا.
نحن دائما جزأين: جزء فاعل و جزء منفعل.الجزء الفاعل فينا يجتث كياننا و يفعل بنا ما يشاء يرسم لنا الأهداف و إن رفضنا يعد لنا المقابر و تاريخنا يرتعد من جراء مثل هذه الشواهد التي تبقى وصمة عار على جبين الأمة من زمن الحجاج إلى يومنا هذا .
هذا الجزء الذي يمسك بكل مقاليد السلطة يحكم قبضته على كل جزء حيوي فينا يمكن أن ينتفض في يوم من الأيام و يدعونا دائما إلى سياسة ضبط النفس ويردد على أسماعنا: ها نحن قدمنا تضحيات وها نحن جنينا ثمارها و حولنا تعنت العدو إلى تفاهم ، ها نحن غنمنا منه اتفاق سلام دائم و لكن نكتشف بعد لحظات أن كل هذه الاتفاقات تبقى حبرا على الورق لأن العدو عادة ما يشتم رائحة كريهة من جراء كل تفاهم فيسعى إلى التنصل منه عندما يلاحظ أشياء لا تتماشى و مصالحه.
هذا الجزء الفاعل فينا يرسم أحلامنا و آمالنا في هذا الوجود و في أغلب الأحيان كما تبرزه لنا معالم التاريخ على مختلف عصوره ينتهي بنا إلى حالة يأس و إحباط و عدم قدرة حتى على بناء ذوات تكون متماسكة أمام مختلف الضغوط التي تسلط عليها من العدو فننتهي ضعفاء، كسالى، فاقدي كل معاني الحياة الجميلة و بذلك نتحول إلى وحوش كاسرة سرعان ما يفلح هذا الجزء الفاعل فينا في ترويضها من جديد مقدما لها العلاج المناسب لتعود لتنام من جديد و هكذا...ا
إن الجزء المنفعل فينا هو الذي يحتل دائما صدارة الأحداث يزج به في قلب المعارك و المحن قد يحقق بعض الصمود و تاريخنا ينبئنا بذلك و لكن عادة ما يسحب من تحته البساط فيعود على نفسه من جديد يتأوه و يلعن حظه العاثر و يلعن ضعفه الأبدي الذي جعله كرة يتلاعب بها أعضاء الجزء الفاعل في هذا الوجود يحولونها كما يشاءون و انو رأوا فيها عنادا يقدمونها على طبق جاهز للعهد و فيتفنن في اللهو بها على طريقته الخاصة على مرأى الجميع.
تلك هي حياتنا في هذا الوطن السليب ،هذا الوطن الجريح الذي يعاني منذ زمن بعيد مشاكل تحمل كل الصنوف.
منذ وعد بلفور ازدادت الهموم و أصبح الزمن أشد قسوة علينا، و لا ننكر أننا ساهمنا في صناعة الزمن الرديء للأمة إذ كان لزاما علينا أن ننسف كل الأمم و نحن نمتلك كل القدرة على ذلك و لكن أحسن العدو رسم شباكه من حولنا، فرق بين صفوفنا و أدخل بينها كل ألوان الفتن فصار الصراع حالة قائمة في مختلف أرجاء الأمة، صراع كان يهدف إلى إلهائنا و شلّ قدراتنا على فهم الأمور و ضمان ثباتنا عند السطح في كل الأمور. لقد أفلح العدو في قراءة تاريخنا و أفلح جيدا في رسم خططه لإحكام السيطرة علينا من مختلف بوابات الوجود الذي يمكن أن ننفذ منه إلى الحياة أو يمكن أن نكون فيه أقوياء في مواجهة العدو بكل ما أوتينا من قوة.
هذا الوطن الذي يعاني منذ زمان بعيد مختلف ألوان المهانة و الاستلاب و يسعى كل جزء فيه إلى تحقيق و لو جزء من التقدم و لكن كل قطر فيه يسعى إلى القفز على الآخر و بالأحرى كان يمكن أن يتطور و يتقدم هذا الوطن بمختلف أجزائه دون اللجوء إلى عالم خارجي يصنف له مقتضيات التطور .لقد استعان الأخ بالعدو على أخيه و تلك هي بداية النهاية لزمن كنا فيه واحدا فأصبحنا آلافا كنا فيه نمثل بلدا واحدا و موقفا واحدا و رأيا واحدا و وطنا واحدا فأصبحنا شعوبا و أوطانا و مواقفا و أراءا. أفلح الآخر بمختلف أبعاده في رسم خارطة جديدة يقرؤنا من خلالها دون شك و نحن ساهمنا بالقدر الأكبر من جهتنا في رسم معالم هذه الخارطة و في إمداده بما يحتاج من تسهيلات في مختلف الواجهات و هكذا كنا لقمة سائغة يشكلها العدو كما يشاء و كلما وجد فيها طعما لا يستسيغه يعمل على تشكيلها من جديد حتى يسهل عليه بلعها في كل لحظة و في كل حين .
و نحن بجانبنا الذي بقي صامدا فينا نصارع قساوة الظروف التي تفرض علينا أن نعيش على مقاس الزمن الأمريكي رغم إرادتنا لأن من يسوسنا أحكم نفوذه و اختار أن يكون ضمن صف الزمن الأمريكي حتى يدوم له الحكم في سلام و أمن و يكون في حماية ترسانة متطورة من الأسلحة و العتاد الحربي الذي لا يقهر إلا بإرادة الشعوب المستضعفة التي يفلح ساستها في تحويلها من إرادة فعالة إلى إرادة مرنة قادرة على التكيف مع الوضع الأفضل لإرادة البقاء و حسن البقاء كما تنسقه لها إرادة الأقوى عسكريا و سياسيا في الزمن الأمريكي..

سبتمبر 2000